الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى المُسعِّر:
أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم المُسعِّر.
لم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى به ربه جلّ جلاله، ففي حديث صحيح في سنن الترمذي
(( عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ. ))
هذا الحديث الشريف الصحيح له أبعاد كثيرة، نبدأ بحقيقة ثابتة وهي أن تعريف العلم ما أفضى بك إلى قانون، والقانون هو العلاقة الثابتة بين متغيرين، مقطوع بصحتها، تطابق الواقع، عليها دليل، فإن لم تطابق الواقع كان الجهل، وإن لم يكن عليها دليل كان التقليد، وإن لم يكن مقطوعاً بصحتها كان الوهم والشك والظن، فالعلم يقيني، العلم شمولي، العلم مطّرد، علاقة ثابتة بين متغيرين، تفضي إلى قانون، هذه العلاقة مقطوع بصحتها، ليست شكاً، ولا وهماً، ولا ظناً، ولكنها يقين، مقطوع بصحتها، تطابق الواقع، لو لم تكن كذلك كانت جهلاً عليها دليل، لو لم يكن الدليل كان التقليد.
قوانين الكون لا تُعدّ ولا تحصى:
إذاً بالكون يوجد قوانين، النقطة الأولى أيها الإخوة، أن هذه القوانين التي تصل إلى المليارات ثبّتها الله عز وجل، ثبّتها كي تستقر حياتنا، مليارات القوانين الفيزيائية، والكيميائية، والفلكية، ودوران الفلك، وخصائص المواد، أية علاقة ثابتة بين شيئين هي قانون، مليارات القوانين ثابتة من آدم إلى يوم القيامة، مثلاً يمكن أن تقول: في عام ألفين وسبعمئة يوم ثمانية وعشرين شباط الشمس تشرق الخامسة والثلاث دقائق، دورة الأفلاك ثابتة، بالثواني ثابتة، خصائص المواد، الحديد له خصائص، أنشأنا بناء مئة طابق، لو أن الحديد يُغير خصائصه لانهار البناء، تشتري أنت سبيكة ذهبية بمبلغ كبير جداً، لو أن الذهب يُغير خصائصه لفقدت هذه السبيكة قيمتها.
هناك نِعم لا تُعدّ ولا تحصى، قوانين ثابتة، تزرع فاكهة معينة، الثمرة من هذه الفاكهة، قوانين الإنبات ثابتة، قوانين الأفلاك ثابتة، قوانين الدوران ثابتة، قوانين الليل والنهار ثابتة، خصائص المواد ثابتة، قوانين الزراعة ثابتة، هذه نعمة لا تعدلها نعمة، فكل هذه القوانين ثابتة مطّردة، شاملة، لا تتغير، ولا تتبدل، وهي محل اتفاق في العالم كله، قانون التمدد لا علاقة له بالسياسة إطلاقاً، في الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب، وقديماً وحديثاً، في بلد متخلف، في بلد متقدم، القانون هو القانون، هناك نِعم لا تُعدّ ولا تحصى منها ثبات القوانين، حياتنا مستقرة، التعامل مستمر.
الحكمة الربانية اقتضت تحريك قانون الرزق والصحة:
لكن لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة حرك الله بعض القوانين، من هذه القوانين الرزق، هذا متبدل، والصحة، والإنسان حريص على صحته حرصاً لا حدود له، وحريص على رزقه حرصاً لا حدود له، ولعل الحكمة من ذلك أن الله عز وجل يريد أن يكون الرزق والصحة وسيلتين من وسائل التربية.
أي هذه الطاولة صُنِعت لاستخدام لا يزيد عن بضع مئات من الغرامات، لكن يمكن أن يقف عليها ستة أشخاص هذه الطاولة، معنى ذلك أن فيها احتياطاً ألف ضعف عن استعمالها، إذاً يمكن أن تعيش مئات السنين كما هي، لأن فيها احتياطاً على مهماتها ألف ضعف، وكان من الممكن أن يكون لكل جهاز بجسمنا ولكل عضو احتياط ألف ضعف، لا يوجد مرض، الإنسان بالتعبير المعاصر سريع العطب، أحياناً خثرة بالدماغ تنهي حياته، سكتة قلبية فجأة، أي كان من الممكن لإنسان أن يعيش مليون سنة كما هو شاب تماماً، لكن شاءت حكمة الله أن يكون المرض، الصحة متبدلة، والرزق متبدل، نحن في بلدنا الطيب ممكن في عام مجموع إنتاج القمح ستمئة وخمسين ألف طن، في أعوام ستة ملايين، الإنتاج متبدل.
الآن ما معنى الله المُسعِّر؟ بالتعبير الاقتصادي الكم له علاقة بالسعر، فأحياناً تكون كميات المحاصيل فلكية، السعر ينخفض، أحياناً يكون الكم قليلاً السعر يرتفع، فأول ملاحظة أن الله عز وجل ثبت أشياء، وحرك أشياء، الذي حركه من أجل أن يربينا، لأن الإنسان في الأصل خُلِق هلوعاً، هذا ضعف في أصل خلقه، وهو ضعف لصالحه، من أجل تربيته، لو لم يكن الإنسان هلوعاً لما تاب بعد شدة، ولا ما اصطلح مع الله بعد عسر، لكن العسر يُقلقه، والشدة تقلقه، والخوف يُقلقه.
الإنسان هلوعٌ جزوعٌ ضعيف:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾
هكذا خُلِق.
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾
بل الذي أراه والله أعلم إن دخلت إلى مسجد، ورأيت فيه آلافاً مؤلفة اعتقد يقيناً أن تسعة أعشار هؤلاء جاؤوا إلى الله عقب تدبير حكيم، لاح له شبح مرض، ليس له إلا الله أقبل عليه، تاب إليه، لاح له شبح فقر، اعتصم بالله، دعا الله عز وجل، شريحة من البشر كبيرة جداً لا تستجيب إلا عقِب الشدة، فالله سبحانه وتعالى بدّل قوانين الرزق، وقوانين الصحة، أي الإنسان أحياناً يسعد بصحته، فإذا لاح له شبح مرض لجأ إلى الله، وهذا من فضل الله علينا، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾ وخُلِق ضعيفاً.
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)﴾
لأنه إذا كان ضعيفاً افتقر في ضعفه فسعد بافتقاره، ولو خلقه الله قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه، أحياناً يكون الإنسان قوياً، وغنياً، يتوهم أنه مستغنٍ عن الله، وكل إنسان يعتدّ بحجمه المالي، أو بصحته، أو بمكانته، أو بقوته، أو بمنصبه، لحكمة بالغةٍ بالغة يؤتى الحذِر من مأمَنه، فمن جهة أمنه، من جهة ثقته، من جهة قوته، قد يُصاب، لذلك عرفت الله من نقض العزائم، أحيانًا إنسان عنده اختصاص نادر، يتوهم أنه لن يصيبه مكروه باختصاصه، يُفاجأ أنه في اختصاصه أصابه مكروه، يُؤتى الحذِر من مأمنه.
كلمة مُسعِّر أي أن الله عز وجل بيده الرزق، الأمطار بيده، لو أن الله سبحانه وتعالى أصاب بلاداً بالجفاف، هؤلاء القادة الذين في البلاد، الزعماء، ليجتمعوا، وليتخذوا قراراً بإنزال المطر، لا يوجد، في بلاد، زرت بلداً في إفريقيا ما يهطل من أمطار في الليلة الواحدة يساوي أمطار دمشق في عامين، أربعمئة ميلمتر بليلة واحدة، وفي أماكن الأمطار فيضانات مُهلكة، في أماكن الريح مُدَمرة، فالله عز وجل بالتعبير المستخدم حديثاً الخيارات التي عند الله لا تُعدّ ولا تحصى، الشيء الثمين جداً الذي هو قِوام حياتنا كالهواء قد يغدو مدمراً، والماء مدمر، قلّته مدمرة، وكثرته مدمرة، في حكمة حكيم، وقدرة قدير، وعلم عليم، فلذلك الحديث مرة ثانية: ((غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ)) هذا أمر تكويني، وأنتم تعلمون أيها الإخوة؛ أن هناك أمراً تكوينياً هو فعل الله، وأن هناك أمراً تكليفياً هو أمره، أي الله عز وجل أمر العباد في بيعهم وشرائهم ألا يظلموا.
الإسلام حريص على السعر المعتدل:
بالمناسبة لا يوجد نشاط يمارسه الإنسان أوسع من نشاط البيع والشراء، لا يوجد واحد منا لو لم يكن تاجراً، البيع والشراء أوسع نشاط بشري، أنت مضطر أن تشتري طعامك وشرابك، وأن تشتري لباسك، وحاجاتك، وأجهزتك، فالبيع والشراء عمل مستمر يومي، وأخطر ما في البيع والشراء السعر، لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه إذا سأل الولاة يسألهم: كيف الأسعار عندكم؟ أي رحمة الله تتجلى بالأسعار، أحياناً تجد كل شيء موجوداً، لكن الأسعار فوق طاقة المشتري، كيف الأسعار عندكم؟ ((يا رسول الله: غَلا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لنا؟)) لما يضع الإنسان سعراً يظلم به البائع، أحياناً يكون السعر أقلَّ من الكلفة، فإذا باع الحاجة بسعر أعلى من الكلفة قليلاً تحت سيف القانون، أحياناً التسعير ظالم، أحياناً يكون هناك شيء ممنوع استيراده، يغلو، يغلو، يغلو، لو سُمِح باستيراده عاد إلى السعر الطبيعي، إلى القانون الذي يسمونه قانون العرض والطلب.
ففي الإسلام مثلاً مئات الأحاديث التي تمنع الغش، والاحتكار، والإيهام، والتدليس، معاصي البيع والشراء لا تُعدّ ولا تحصى، لو أننا تلافيناها جميعاً، واستقمنا على أمر الله جميعاً لفوجئنا أن السعر أصبح معتدلاً في كل شيء، السعر بيد الله، بحسب الكم وحسب الحاجة، الكم والحاجة يتداخلان ويتفاعلان يشكلان سعراً، هناك مواد كثيرة كان ممنوع استيرادها بلغت سعراً خيالياً، فلما سُمح باستيرادها أخذت سعراً طبيعياً جداً، يسمونه سعر السوق، والآن نظام السوق، تجارة السوق، أي في السوق يوجد عرض وطلب، أما إذا منعت شيئاً، أو احتكرته، أو أوهمت الناس بشيء، أو دلّست عليهم السعر يغلو عندئذٍ.
لذلك الإسلام من عظمته حرص حرصاً شديداً على أن يبتعد المسلم عن كل المعاصي في البيع والشراء، فإذا ابتعد كان السعر طبيعياً، ولا يحتاج إلى تسعير.
التسعير في حالات الأزمة والشدة لا ينافي أن الله هو المُسعِّر:
إلا إن الدراسة المطولة حول هذا الموضوع تؤكد أن ولي أمر المسلمين في مناسبات معينة، في أيام الشدة، في أيام الحروب، من حقه أن يُسَعِّر، حفاظاً على مصالح المسلمين، هذا الاستثناء لا يلغي القانون، القانون الله هو المسعر، لكن أحياناً يكون هناك أزمات اقتصادية طاحنة، وهناك مخزون كبير جداً من هذه البضاعة، الاحتكار عدم البيع هذه معصية كبيرة.
من منا يصدق أن المشتري أحياناً يُعدّ محتكراً، هناك سلعة لها إنتاج معين، فأنت حينما تشتري الحاجة الطبيعية لك فسعرها معتدل، عندما يكون هناك قلق، وتشتري خمسة أضعاف حاجتك، المشتري هو المحتكر، ساهم بفقد البضاعة، برفع سعرها، لذلك الوعي الاقتصادي مهم جداً، في الأزمات إذا أقبل الناس على شراء سلعة معينة يرتفع سعرها إلى درجة جنونية، فلذلك الأصل أن الله هو المُسعّر بشرط أن يُنفى الاحتكار، أن يُنفى التدليس، الغش، الإيهام، مئات المعاصي التي نصّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم في البيع والشراء، أحياناً تلقّي الركبان، يخرج الإنسان إلى ظاهر المدينة يتلقى مَن يحملون بضاعة إلى المدينة، هم لا يعلمون السعر، يوهمونه بسعر معين، فيبيعهم ويعود إلى بلدته، يكونوا قد اشتروا البضاعة بنصف قيمتها، تلقّي الركبان منهي عنه، الإيهام منهي عنه، التدليس منهي عنه، الاحتكار منهي عنه، الغش منهي عنه، فإذا تلافينا كل هذه المعاصي في البيع والشراء فوجئنا أن السعر معقول، سعر طبيعي، سعر أساسه العرض والطلب، أساسه الكمية، وأساسه الحاجة.
إذاً في الأصل الله جلّ جلاله هو المسعِّر، أنت أيها الإنسان أو أنت أيها المختص بشؤون العامة اضبط المخالفات في البيع والشراء فقط، وانتهى الأمر، أما السعر يحدده ربنا جلّ جلاله، لأنه هو المسعِّر بالكمِّ، أحياناً يكون هناك ضمان لفاكهة، الشراء بأربعين ليرة، والمرجو أن يباع بمئة الكيلو، يباع بخمس ليرات، تأتي كميات مخيفة، بكل سنة يوجد إنتاج معين يكون هناك طفرة بالكم، هذه الطفرة صار السعر غير معقول بالرخص، فلذلك الله عز وجل هو المسعر بالكمّ.
أحياناً يأتي صقيع يتلف محاصيل مخيفة بالمليارات، أحياناً الصقيع إذا استمر ستَّ ثوانٍ درجة معينة مثلاً ستّ درجات فوق الصفر، هناك علم دقيق بهذا الموضوع، في درجة معينة إذا استمرت ستَّ ثوان تتلف المحصول كله، تسودّ الثمار كلها.
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)﴾
بالتعبير الذي يستخدمه الناس، الله عز وجل خياراته لا تُعدّ ولا تحصى، تجد موسماً طويلاً مديداً، أمطارًا غزيرة، أثناء انعقاد الثمر تأتي موجة صقيع تتلف كل الموسم، كل المحصول أتلفته، الأمر بيد الله عز وجل.
الاستقامة ضمان للرزق والمعصية سبب لتلفه وغلائه:
لذلك الآية الآن:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)﴾
أما المعاصي تؤدي إلى هذا الجفاف، كلما قلَّ ماءُ الحياء قلَّ ماء السماء، وكلما رَخُص لحم النساء غلا لحم الضأن، وكلما اتّسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، الرزق كما قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام
(( في حديث ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ ولا يردُّ القدرَ إلَّا الدُّعاءُ وإنَّ الرجلَ لَيُحْرَمُ الرزقَ بالذنبِ يُصيبُهُ. ))
لذلك:
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾
إذاً بيت تُؤدى فيه الصلوات الخمس، بيت فيه معالم الإيمان، يتلى فيه القرآن بيت مرزوق، محل تجاري ليس فيه معاص ولا آثام، فيه غضّ بصر، فيه ضبط لسان، هذا المحل التجاري مرزوق، الرزق متعلق بالاستقامة، وهذه آيات كثيرة، الله هو المسعِّر، وإذا أعطى أدهش، وإذا حاسب فتش، والخيارات التي بيد الله عز وجل لا تُعدّ ولا تحصى.
لله فعل تكويني وأمر تكليفي:
فيا أيها الإخوة؛ مرة ثانية الله عز وجل له فعل تكويني، وأمر تكليفي، الفعل التكويني الأمطار بيده، الإنتاج بيده، والله مرة رأيت قمحة في الغوطة أنبت خمساً وثلاثين سبلة، عددتها بيدي، أخذت سبلة وسحقتها، وعددت عدد حبات القمح فكانت خمسين حبة، ضربت خمساً وثلاثين بخمسين فإذا هي ألف وسبعمئة وخمسون حبة من حبة، فأحياناً الكميات تكون فلكية، وأحياناً الكميات شحيحة، إذاً هذا معنى قول النبي الكريم: ((اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ)) بفعله التكويني، بفعله التكويني هو المُسعّر، بالكمّ، بالأمطار، مرة شحت الأمطار في هذه البلدة إلى درجة مخيفة، حتى أن الخبراء في حوض دمشق قالوا: دمشق مُقْدِمة على جفاف، والله حدثني طبيب عضو في هذه اللجنة، قال لي: يمكن أن يموت النبات كله، في العام القادم نزلت أمطار لم ينزل مثلها من خمسين عامًا، ثلاثمئة وخمسون ميلمتر بالسنة، ثلاثون أربعون نبعاً جفّ من عشرين سنة تفجّر، مياه بعض الأطراف وصلت إلى الشام، الله عز وجل الأمر بيده، والرزق بيده.
تقدير الله للأرزاق مقرون بالتأديب وتقنين العبد مقرون بالعجز:
الفكرة الدقيقة جداً: لا يمكن أن يكون تقنين الله تقنين عجز، نحن أحياناً نقنن الكهرباء، تقنين عجز، يقول لك: المولدات معطلة، هناك نقص بالطاقة الكهربائية، الإنسان حينما يقنن يُقنن تقنين عجز، لكن خالق الأكوان حينما يقنن يُقنن تقنين تأديب فقط، تقنين الله عز وجل لا يمكن أن يكون تقنين عجز، لقوله تعالى:
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)﴾
قلت لكم سابقاً: إن سحابة اكتشفت في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة باليوم الواحد بمياه عذبة، أما الشح في المياه تأديب، النقص في المياه تأديب، بالفيضانات تأديب، نقص الرياح تأديب، اشتداد الرياح تأديب، فالعبرة أن نستفيد مما يحصل، من لم تُحدِث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، فالله عز وجل له فعل تكويني في التسعير، وله فعل تكليفي، منعك من الغش، منعك من الاحتكار، منعك من التدليس، منعك من الكذب بالبيع والشراء، من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، منعك من مئات المعاصي، فإذا انضبطت بها، وابتعدت عنها جاء السعر طبيعيًا جداً ومريحًا، وكما قلت لكم: أوسع نشاط بشري هو البيع والشراء، وأخطر ما في البيع والشراء هو السعر، والسعر بيد الله عز وجل، والله هو المُسعِّر، باستقامتنا ترخُص الأسعار، وببعدنا عن الله عز وجل ترتفع الأسعار.
وكان عمر بن الخطاب يسأل ولاته عن الأسعار رحمة بهم، ومرة سأل أحد ولاته، قال له: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال: أقطع يده، فقال له: فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، يا هذا إن الله استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيانهم شكرها، إن هذه الأيدي خُلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
الملف مدقق